بـــســمــ اللـــّـــه الــرحــمــن الـــرحــيــمـــ
ذكر هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام ودخوله الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة
قال الله : " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له
إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في
الآخرة لمن الصالحين " .
وقال تعالى : " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين * ووهبنا له إسحاق
ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل
الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " .
لما هجر قومه في الله ، وهاجر من بين أظهرهم ، وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها ، ولم
يكن له من الولد أحد ، بل معه ابن أخيه لوط ابن هران بن آزر ، وهبه الله تعالى بعد
ذلك الأولاد الصالحين ، وجعل في ذريته النبوة والكتاب ، فكل نبي بعث بعده فهو من
ذريته ، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده ، فعلى أحد نسله وعقبه
، خلعة من الله وكرامة له ، حيث ترك بلاده وأهله وأقرباءه ، وهاجر إلى بلد يتمكن
فيها من عبادة ربه عز وجل ودعوة الخلق إليه .
والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام ، وهي التي قال الله عز وجل : " إلى الأرض التي
باركنا فيها للعالمين " .
قاله أبي بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم .
وروى العوفي عن ابن عباس قوله : " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " مكة ، ألم تسمع
إلى قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " وزعم كعب
الأحبار أنها حران
.
وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب : أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط ، وأخوه ناجور ،
وامرأة إبراهيم سارة ، وامرأة أخيه
ملكاً فنزلوا حران ، فمات تارخ أبو
إبراهيم بها .
وقال السدي : انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام ، فلقى إبراهيم سارة - وهي ابنة ملك حران -
وقد طعنت على قومها في دينهم ، فتزوجها على ألا يغيرها - رواه ابن جرير وهو
غريب .
والمشهور أنها ابنة عمه هران الذي تنسب إليه حران .
ومن زعم أنها ابنة أخيه هارات أخت لوط ، كما حكاه
السهيلي عن القتيبي والنقاش ، فقد
أبعد النجعة وقال بلا علم .
ومن ادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذا ذاك مشروعاً فليس له على ذلك دليل ، ولو فرض أن هذا
كان مشروعاً في وقت - كما هو منقول عن الربانيين من اليهود - فإن الأنبياء لا
تتعاطها . . والله أعلم .
ثم المشهور أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجراً من بلاده كما
تقدم . . والله أعلم .
وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إلي :
إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك
فابتنى إبراهيم مذبحاً لله شكراً على هذه النعمة ، وضرب قبته شرقى بيت
المقدس ثم انطلق مرتجلاً ، إلى التيمن ، وإنه كان جوع ، أي قحط وشدة وغلاء ،
فارتحلوا إلى مصر .
وذكروا قصة سارة مع ملكها ، وإن إبراهيم قال لها : قولي أنا أخته . وذكروا إخدام الملك
إياها هاجر . ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن ، يعني أرض بيت المقدس وما
والاها ، ومعه دواب وعبيد وأموال .
وقال البخاري : حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب عن محمد ، عن أبي
هريرة قال : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : اثنتان منهم في ذات الله ، قوله : "
إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى
على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل
إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي . فأتى سارة فقال : يا سارة . . ليس
على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا
تكذبيني .
فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ،
فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعى الله لي ولا
أضرك ، فدعت فأطلق . فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني
بشيطان فأخدمها هاجر .
فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر - أو الفاجر - في نحره ، وأخدم هاجر .
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء . تفرد به من هذا الوجه موقوفاً .
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عبد الوهاب الثقفي عن
هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات
، كل ذلك في ذات الله ، قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال
بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل
إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي . فأتى سارة فقال : يا سارة . . ليس
على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا
تكذبني .
فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ،
فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعي الله لي ولا
أضرك ، فدعت فأطلق . فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني
بشيطان فأخدمها هاجر .
فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر -أو الفاجر -في نحره ،
وأخدم هاجر" .
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء . تفرد به من هذا الوجه
موقوفاً .
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عبد الوهاب الثقفي ، عن
هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات ، كل ذلك في ذات الله ، قوله : " إني
سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ
نزل منزلاً ، فأتى جبار فقيل له : إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس ،
فأرسل إليه فسأله عنها فقال : إنها أختي . فلما رجع إليها قال : إن هذا سألني عنك
فقلت : إنك أختي . وإنها ليس اليوم مسلم غيري وغيرك ، وإنك أختي ، فلا تكذبيني
عنده .
فانطلق بها ، فلما ذهب يتناولها أخذ ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت له فأرسل ،
فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت فأرسل
، ثلاث مرات ، فدعا أدنى حشمة فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان
أخرجها وأعطها هاجر .
فجاءت وإبراهيم قائم يصلي . فلما أحس بها انصرف ، فقال : مهيم ؟ فقالت : كفى الله كيد
الظالم وأخدمني هاجر .
وأخرجاه من حديث هشام . ثم قال البزار : لا يعلم إسناده عن محمد عن أبي هريرة إلا هشام ،
ورواه غيره موقوفاً .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عل بن حفص ، عن ورقاء - وهو أبو عمر
اليشكري - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : قوله حين دعى إلى آلهتهم فقال : "
إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقوله لسارة : " إنها
أختي " .
قال : ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة ، فقيل : دخل إبراهيم
الليلة بامرأة من أحسن الناس ، قال : فأرسل إليه الملك أو الجبار : من هذه معك ؟
قال : أختي ، قال : فأرسل بها ، قال : فأرسل بها إليه ، وقال : لا تكذبي قولي ،
فإني قد أخبرته أنك أختي إنه ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك .
فلما دخلت عليه قام إليه ، فأقبلت تتوضأ وتصلي وتقول : اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك
وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تسلط علي الكافر . قال : فغط حتى ركض
برجله .
قال أبو الزناد : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنها قالت : اللهم إن يمت
يقال هي قتلته : قال : فأرسل .
قال : ثم قال إليها ، قال : فقامت تتوضأ وتصلي وتقول : اللهم إني كنت تعلم آني آمنت بك
وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي . فلا تسلط علي الكافر . قال : فغط حتى ركض برجله
. قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة أنها قالت : اللهم إني يمت يقل هي
قتلته ، قال : فأرسل .
قال : فقال في الثالثة أو الرابعة : ما أرسلتم إلى إلا شيطاناً ، أرجعوها إلى إبراهيم
وأعطوها هاجر .
قال : فرجعت ، فقال لإبراهيم : أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة ! تفرد
به أحمد
من هذا الوجه وهو على شرط الصحيح .
وقد رواه البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبي
الزناد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصراً .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ،
عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلاث التي
قال : " ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله ، فقال : " إني سقيم " وقال : " بل
فعله كبيرهم هذا " وقال للملك حين أراد امرأته : هي أختي " .
فقوله في الحديث : هي أختي أي في دين الله ، وقوله لها " إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري
وغيرك " يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك ، ويتعين حمله على هذا لأن لوطاً كان معهم
وهو نبي عليه السلام .
وقوله لها لما رجعت إليه : ميهم ؟ معناه ما الخبر . فقالت : إن الله رد كيد الكافرين ،
وفي رواية : الفاجر وهو الملك ، وأخدم جارية .
وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك ، قام يصلي لله عز وجل ، ويسأله أن
يدفع عن أهله ، وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء . وهكذا فعلت هي أيضاً . فلما
أراد عدو الله أن ينال منها أمراً قامت إلى وضوئها وصلاتها ، ودعت الله عز وجل بما
تقدم من الدعاء العظيم . ولهذا قال تعالى : " واستعينوا بالصبر والصلاة " فعصمها
الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام .
وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة : سارة ، وأم موسى ، ومريم عليهن السلام .
والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهن وأرضاهن .
ورأيت في بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها ،
فلم يرها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه ، وكان مشاهداً لها وهي عند الملك ،
وكيف عصمها الله منه ، ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته ، فإنه كان
يحبها حباً شديداً ، لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر ، فإنه قد قيل إنه لم تكن
امرأة بعد حواء إلى زمانها ، أحسن منها ، رضي الله عنها . . ولله الحمد
والمنة .
وذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا كان أخاً للضحاك الملك المشهور بالظلم ، وكان
عاملاً لأخيه على مصر ، ويقال كان اسمه سنان بن علوان بن عويج بن عملاق بن لاود ابن
سام بن نوح . وذكر ابن هشام في التيجان : إن الذي أرادها عمرو بن امرىء القيس بن
مايلون بن سبأ ، وكان على مصر . نقله
السهيلي . . والله
أعلم .
*
* *
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن ، وهي الأرض المقدسة التي
كان فيها ، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل . وصحبتهم هاجر القبطية
المصرية .
ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بما له من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك ، إلى
أرض الغور ، المعروف بغور زغر ، فنزل بمدينة سدوم وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان
، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً .
وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل ، فأمر أن يمد بصره وينظر شمالاً وجنوباً وشرقاً
وغرباً وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر ، وسأكثر ذريتك
حتى يصيروا بعدد تراب الأرض .
وهذا البشارة اتصلت بهذه الأمة ، بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة
المحمدية .
ويؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها
ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " .
قالوا : ثم إن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه ، وأخذوا أمواله
واستاقوا أنعامه فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشرة
رجلاً ، فاستنقذ لوطاً عليه السلام واسترجع أمواله ، وقتل من أعداء الله ورسوله
خلقاً كثيراً وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شمالي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة
، وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لأنه كان موقف جيش الخليل . . والله
أعلم .
ثم رجع مؤيداً منصوراً إلى بلاده . وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرهين
خاضعين ، واستقر ببلاده . صلوات الله وسلامه عليه .
إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في
الآخرة لمن الصالحين " .
وقال تعالى : " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين * ووهبنا له إسحاق
ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل
الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " .
لما هجر قومه في الله ، وهاجر من بين أظهرهم ، وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها ، ولم
يكن له من الولد أحد ، بل معه ابن أخيه لوط ابن هران بن آزر ، وهبه الله تعالى بعد
ذلك الأولاد الصالحين ، وجعل في ذريته النبوة والكتاب ، فكل نبي بعث بعده فهو من
ذريته ، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده ، فعلى أحد نسله وعقبه
، خلعة من الله وكرامة له ، حيث ترك بلاده وأهله وأقرباءه ، وهاجر إلى بلد يتمكن
فيها من عبادة ربه عز وجل ودعوة الخلق إليه .
والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام ، وهي التي قال الله عز وجل : " إلى الأرض التي
باركنا فيها للعالمين " .
قاله أبي بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم .
وروى العوفي عن ابن عباس قوله : " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " مكة ، ألم تسمع
إلى قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " وزعم كعب
الأحبار أنها حران
.
وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب : أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط ، وأخوه ناجور ،
وامرأة إبراهيم سارة ، وامرأة أخيه
ملكاً فنزلوا حران ، فمات تارخ أبو
إبراهيم بها .
وقال السدي : انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام ، فلقى إبراهيم سارة - وهي ابنة ملك حران -
وقد طعنت على قومها في دينهم ، فتزوجها على ألا يغيرها - رواه ابن جرير وهو
غريب .
والمشهور أنها ابنة عمه هران الذي تنسب إليه حران .
ومن زعم أنها ابنة أخيه هارات أخت لوط ، كما حكاه
السهيلي عن القتيبي والنقاش ، فقد
أبعد النجعة وقال بلا علم .
ومن ادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذا ذاك مشروعاً فليس له على ذلك دليل ، ولو فرض أن هذا
كان مشروعاً في وقت - كما هو منقول عن الربانيين من اليهود - فإن الأنبياء لا
تتعاطها . . والله أعلم .
ثم المشهور أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجراً من بلاده كما
تقدم . . والله أعلم .
وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إلي :
إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك
فابتنى إبراهيم مذبحاً لله شكراً على هذه النعمة ، وضرب قبته شرقى بيت
المقدس ثم انطلق مرتجلاً ، إلى التيمن ، وإنه كان جوع ، أي قحط وشدة وغلاء ،
فارتحلوا إلى مصر .
وذكروا قصة سارة مع ملكها ، وإن إبراهيم قال لها : قولي أنا أخته . وذكروا إخدام الملك
إياها هاجر . ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن ، يعني أرض بيت المقدس وما
والاها ، ومعه دواب وعبيد وأموال .
وقال البخاري : حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب عن محمد ، عن أبي
هريرة قال : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : اثنتان منهم في ذات الله ، قوله : "
إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى
على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل
إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي . فأتى سارة فقال : يا سارة . . ليس
على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا
تكذبيني .
فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ،
فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعى الله لي ولا
أضرك ، فدعت فأطلق . فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني
بشيطان فأخدمها هاجر .
فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر - أو الفاجر - في نحره ، وأخدم هاجر .
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء . تفرد به من هذا الوجه موقوفاً .
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عبد الوهاب الثقفي عن
هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات
، كل ذلك في ذات الله ، قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال
بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل
إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي . فأتى سارة فقال : يا سارة . . ليس
على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا
تكذبني .
فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ،
فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعي الله لي ولا
أضرك ، فدعت فأطلق . فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني
بشيطان فأخدمها هاجر .
فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر -أو الفاجر -في نحره ،
وأخدم هاجر" .
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء . تفرد به من هذا الوجه
موقوفاً .
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عبد الوهاب الثقفي ، عن
هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات ، كل ذلك في ذات الله ، قوله : " إني
سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ
نزل منزلاً ، فأتى جبار فقيل له : إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس ،
فأرسل إليه فسأله عنها فقال : إنها أختي . فلما رجع إليها قال : إن هذا سألني عنك
فقلت : إنك أختي . وإنها ليس اليوم مسلم غيري وغيرك ، وإنك أختي ، فلا تكذبيني
عنده .
فانطلق بها ، فلما ذهب يتناولها أخذ ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت له فأرسل ،
فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت فأرسل
، ثلاث مرات ، فدعا أدنى حشمة فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان
أخرجها وأعطها هاجر .
فجاءت وإبراهيم قائم يصلي . فلما أحس بها انصرف ، فقال : مهيم ؟ فقالت : كفى الله كيد
الظالم وأخدمني هاجر .
وأخرجاه من حديث هشام . ثم قال البزار : لا يعلم إسناده عن محمد عن أبي هريرة إلا هشام ،
ورواه غيره موقوفاً .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عل بن حفص ، عن ورقاء - وهو أبو عمر
اليشكري - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : قوله حين دعى إلى آلهتهم فقال : "
إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقوله لسارة : " إنها
أختي " .
قال : ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة ، فقيل : دخل إبراهيم
الليلة بامرأة من أحسن الناس ، قال : فأرسل إليه الملك أو الجبار : من هذه معك ؟
قال : أختي ، قال : فأرسل بها ، قال : فأرسل بها إليه ، وقال : لا تكذبي قولي ،
فإني قد أخبرته أنك أختي إنه ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك .
فلما دخلت عليه قام إليه ، فأقبلت تتوضأ وتصلي وتقول : اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك
وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تسلط علي الكافر . قال : فغط حتى ركض
برجله .
قال أبو الزناد : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنها قالت : اللهم إن يمت
يقال هي قتلته : قال : فأرسل .
قال : ثم قال إليها ، قال : فقامت تتوضأ وتصلي وتقول : اللهم إني كنت تعلم آني آمنت بك
وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي . فلا تسلط علي الكافر . قال : فغط حتى ركض برجله
. قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة أنها قالت : اللهم إني يمت يقل هي
قتلته ، قال : فأرسل .
قال : فقال في الثالثة أو الرابعة : ما أرسلتم إلى إلا شيطاناً ، أرجعوها إلى إبراهيم
وأعطوها هاجر .
قال : فرجعت ، فقال لإبراهيم : أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة ! تفرد
به أحمد
من هذا الوجه وهو على شرط الصحيح .
وقد رواه البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبي
الزناد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصراً .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ،
عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلاث التي
قال : " ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله ، فقال : " إني سقيم " وقال : " بل
فعله كبيرهم هذا " وقال للملك حين أراد امرأته : هي أختي " .
فقوله في الحديث : هي أختي أي في دين الله ، وقوله لها " إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري
وغيرك " يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك ، ويتعين حمله على هذا لأن لوطاً كان معهم
وهو نبي عليه السلام .
وقوله لها لما رجعت إليه : ميهم ؟ معناه ما الخبر . فقالت : إن الله رد كيد الكافرين ،
وفي رواية : الفاجر وهو الملك ، وأخدم جارية .
وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك ، قام يصلي لله عز وجل ، ويسأله أن
يدفع عن أهله ، وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء . وهكذا فعلت هي أيضاً . فلما
أراد عدو الله أن ينال منها أمراً قامت إلى وضوئها وصلاتها ، ودعت الله عز وجل بما
تقدم من الدعاء العظيم . ولهذا قال تعالى : " واستعينوا بالصبر والصلاة " فعصمها
الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام .
وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة : سارة ، وأم موسى ، ومريم عليهن السلام .
والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهن وأرضاهن .
ورأيت في بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها ،
فلم يرها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه ، وكان مشاهداً لها وهي عند الملك ،
وكيف عصمها الله منه ، ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته ، فإنه كان
يحبها حباً شديداً ، لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر ، فإنه قد قيل إنه لم تكن
امرأة بعد حواء إلى زمانها ، أحسن منها ، رضي الله عنها . . ولله الحمد
والمنة .
وذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا كان أخاً للضحاك الملك المشهور بالظلم ، وكان
عاملاً لأخيه على مصر ، ويقال كان اسمه سنان بن علوان بن عويج بن عملاق بن لاود ابن
سام بن نوح . وذكر ابن هشام في التيجان : إن الذي أرادها عمرو بن امرىء القيس بن
مايلون بن سبأ ، وكان على مصر . نقله
السهيلي . . والله
أعلم .
*
* *
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن ، وهي الأرض المقدسة التي
كان فيها ، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل . وصحبتهم هاجر القبطية
المصرية .
ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بما له من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك ، إلى
أرض الغور ، المعروف بغور زغر ، فنزل بمدينة سدوم وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان
، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً .
وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل ، فأمر أن يمد بصره وينظر شمالاً وجنوباً وشرقاً
وغرباً وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر ، وسأكثر ذريتك
حتى يصيروا بعدد تراب الأرض .
وهذا البشارة اتصلت بهذه الأمة ، بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة
المحمدية .
ويؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها
ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " .
قالوا : ثم إن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه ، وأخذوا أمواله
واستاقوا أنعامه فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشرة
رجلاً ، فاستنقذ لوطاً عليه السلام واسترجع أمواله ، وقتل من أعداء الله ورسوله
خلقاً كثيراً وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شمالي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة
، وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لأنه كان موقف جيش الخليل . . والله
أعلم .
ثم رجع مؤيداً منصوراً إلى بلاده . وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرهين
خاضعين ، واستقر ببلاده . صلوات الله وسلامه عليه .
·
*
*