موقعة حطين:
أشعل ريجنالد [أرناط] صاحب حصن الكرك فتيل الحرب عندما اعتدى على قافلة تجارية للمسلمين فنهبها وقتل العديد من أفرادها وأسر الباقي، ورفض الانصياع لنداءات جي دي لوزينيان ملك بيت المقدس وصلاح الدين بإطلاق سراح الأسرى، وهذى بكلمات تسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتوعد بالمسير إلى مكة. فأمر الناصر فنادى منادي الجهاد في كل الأقطار التابعة له.
وعندما اكتملت قوات صلاح الدين قصد الكرك والشوبك فخربهما، ثم دارت المعركة الأولى بين المسلمين والصليبيين، قرب صفورية، مايو 1187م حيث مني الصليبيون بهزيمة نكراء، فعقد الصليبيون مجلس حرب واستقر رأيهم على الانتقام من صلاح الدين فتجمعت قواتهم عند صفورية، تقدم صلاح ةالدين نحو طبرية، وأراد أن يستفزهم فاقتحم طبرية وأضرم النار فيها، ليجبرهم على ترك موقعهم واللحاق به، فينهكهم الحر والعطش، فتم له ما أراد. وصلت القوات
الصليبية إلى حطين في حالة من الإنهاك والتعب، في وقت استراح فيه المسلمون وجلسوا
ينتظرون في ظل مديد وماء كثير.
استقرت القوات الصليبية على هضبة تشرف على حطين جنوبي جيش المسلمين، مساء 25 ربيع آخر 583هـ / 4 يوليو 1187م، أي في ليلة غير مقمرة. مارس الناصر حربًا نفسية ضد أعدائه فأضرم النار في الأحراش الواقعة شمالي معسكر الأعداء فحملت الريح دخانًا كثيرًا إليهم طوال الليل، وعلت أصوات التكبير والصلوات في معسكر المسلمين، وتحت جنح الظلام تحركت جيوش المسلمين. استيقظ الصليبيون مع ضوء الفجر فوجدوا المسلمين قد أحاطوا بهم من كل جانب، بدأت المعركة وفشل الصليبيون في فك الحصار، وسرعان ما خارت قواهم، فملأت جثثهم أرض المعركة وأُسر عدد كبير في مقدمتهم ملك بيت المقدس وأخوه وأرناط، حتى قال ابن الأثير: 'من
رأى الأسرى لا يظن أن هناك قتلى، ومن رأى القتلى يحسب أنه لم يكن هناك أسرى'.
فروسية وأخلاق:
سيق كبار القوم إلى خيمة صلاح الدين، حيث أكرم السلطان وفادتهم، ولما أحس من ملك بيت المقدس العطش قدم له ماءً مثلجًا، فشرب وأعطى أرناط، فغضب الناصر وقال للمترجم: 'قل له أنت الذي أعطيته الماء، فلا أمان له. ثم التفت إلى أرناط وذكره بما ارتكب من جرائم في حق المسلمين، ثم قال له: 'هاأنذا أنتصر لمحمد صلى الله عليه وسلم ' ثم عرض عليه الإسلام فأبى فأطاح برأسه، ثم طمأن ملك بيت المقدس الذي ارتعدت فرائصه، وأمر بنقل الأسرى مكرمين إلى دمشق.