الفارابى......... والمدينة الفاضلة
فى ظل ما نراه الآن فى عالمنا الإسلامى من انهيار قيم وتحطم مبادىء وبعد عن الله والدين ، وانسياقنا وراء الغرب متطّبعين
بأفكاره ومبادئه ، وتحول بلادنا من بلاد اسلامية يغلب فيها الحب والتعاون والإحساس بالآخر إلى بلاد يغلبها حب الذات والأنا
والإنشغال بما يقوله الغرب وبما يفعله ، وتدهور حال حكّامنا وقادتنا وإصابتهم بمرض العلمانية وفصل الدين عن السياسة ...
أصبحنا فى حاجة إلى عمل وقفة مع أنفسنا نهدف من خلالها إلى العودة إلى مبادئنا الإسلامية وعاداتنا البسيطة التى دائماً ما كانت
تحمل لنا السعادة ، ولعل َّ هذا يقودنى إلى الفيلسوف الإسلامى " أبو نصر الفارابى " ومدينته الفاضلة ، فقد قدّم فى كتابه " أراء
أهل المدينة الفاضلة " ما ينبغى أن يكون عليه الناس وما ينبغى عليهم من التحلّى بصفات تقودهم إلى السعادة الحقيقية التى هى
هدف تلك المدينة الفاضلة ، فقضية الفارابى هى قضية السعادة التى يطلبها الجميع والسعادة عند الفارابى مرتبطة بتصوره للتركيبة
الإنسانية والنفس الإنسانية والسعادة تكون عندما تسيطر النفس العاقلة وفضيلتها " الحكمة " على النفس الغضبية وفضيلتها
" الشجاعة " والنفس الشهوانية " وفضيلتها " العفَّة " فيصل الإنسان إلى السعادة .
وقد قام الفارابى بوضع مجموعة سمات مميزة لأهل المدينة الفاضلة وأهمها التعرف على الله وصفاته والتفكر فى خلق الكون حتى
يصير قوىّ الإيمان بالله فيقوده هذا الإيمان إلى التحلى بحب الخير وحب الأخرين والقناعة ، كما وضع الفارابى رئيساً لهذه المدينة
الفاضلة وقال لابد أن يتوفر فيه محبة العدل وكره الجور ،الإستخفاف بأعراض الدنيا ، محبة الصدق وكراهية الكذب ، الاعتدال
فى المأكل والمشرب والنكح ، قوة العزيمة والجسارة والإقدام ، وتوج هذه الصفات بالحكمة والعقل التام .
ويقول فى نهاية كتابه إذا أنشأنا تلك المدينة الفاضلة وكان رئيسها يتحلى بتلك الصفات وناسها شغلها الشاغل هو كيفية الوصول
إلى السعادة والعدل وحب الأخرين عن طريق الإيمان بالله ، لما كان أحد يشتكى من عُسرٍ أو ضيق أو فقدان للسعادة .
الآن، بعد إستعراضنا بإختصار لما أتى به الفارابى فى المدينة الفاضلة ، هل نستطيع أن نعدّل من أنفسنا ونعود إلى فطرتنا
الاسلامية وما أتى به ديننا ، هل يعود حكامنا إلى شريعتنا الاسلامية وتطبيق ماأتى به ديننا من عدل وحسن معامله؟
هل نستطيع أن نحّول مدينتنا الضالة إلى مدينة فاضلة!